
خطرات و ومضات في علم الأجنة
(1) لم يكن دور الزوجين في الإنجاب محدَّدًا منذ أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد, بينما يعلن القرآن الكريم أن الإنسان يخلق من كلا الزوجين؛ أي أن مكوناته الوراثية مناصفة من الأبوين: “يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ” الحجرات: 13, قال القرطبي: "بَيَّنَ الله تعالى في هذه الآية أنه خلق الخلق من الذكر والأنثى.., وقد ذهب قوم من الأوائل إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده، ويتربى في رحم الأم ويستمد من الدم الذي يكون فيه.. والصحيح أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة لهذه الآية؛ فإنها نص لا يحتمل التأويل"

(2) لم يكن معلوما حتى وقت قريب أن للذكر نطفة منوية وللمرأة بويضة وكلاهما مشارك في الإنجاب, وفي حديث عبد الله بن مسعود: » مر يهودي برسول الله (صلي الله عليه وسلم) وهو يحدث أصحابه؛ فقالت قريش: يا يهودي إن هذا يزعم أنه نبي, فقال : لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي, قال: فجاء حتى جلس, ثم قال: يا محمد مم يُخلق الإنسان؟ قال: (يا يهودي من كُلٍّ يُخْلَق؛ من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة)”.

(3) اكتشف الحوين المنوي عام 1677 باستخدام مجهر بدائي, وساد الاعتقاد بأنه حيوان متطفل دخيل ليس من جسم الإنسان, ولذا سمي حتى اليوم بالحيوان المنوي؛ مما يؤكد أن دوره في الإنجاب لم يكن قد تحدد بعد, بينما يصرح القرآن الكريم بدوره الأساسي في الإنجاب ويشبهه بنطفة, أي قطيرة ماء: (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ) يس: 77.

(4) نتيجة لصعوبة الرؤية في المجاهر الأولية رسموا الإنسان كاملا داخل رأس الحيوان المنوي في نهاية القرن 17, بينما صرَّح القرآن الكريم أن الإنسان لا يُخَْْلق كاملا وإنما في أطوار: "مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا" نوح: 13و14.

(5) بخلاف ما كان يعتقد سابقا من خلق الإنسان بهيئته البشرية كاملا منذ الإبتداء؛ يمر الإنسان بأطوارٍ وهو جنين؛ داخل أغشية مشيمية ثلاث, وحواجز ثلاث: جدار المشيمة وجدار الرحم وجدار البطن, وهو صريح القرآن الكريم: (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ) الزمر: 6.

(6) ثبتت المعرفة اليوم بأن الجنين يتخلق في أطوار إلى أن تكتمل صورته البشرية ويُولد في أحسن تقويم؛ وافقت ما صرح به القرآن الكريم في تعبيرات وصفية بسيطة ودقيقة: نطفة أو قطيرة ماء, ثم علقة البرك, ثم مضغة في الفم التوت وأخذت شكل الأسنان, ثم تشكل أوليات العظام لتسكوها العضلات؛ ولا يبقى للجنين سوى النمو بهيئة إنسانية مكتملة قبل ولادته: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) المؤمنون: 12- 14.

(7) في قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) المؤمنون: 12- 14؛ تدل الفاء (فخلقنا، فكسونا) على الترتيب بغير مُهلة؛ و(ثم) تقتضي المُهلة؛ فتفيد تأخر إدراك الجنين وحركته الإرادية بمدة أكبر نسبيا في مرحلة تلي تخليق كل أوليات الأعضاء وآخرها الهيكل العظمي والعضلات، والثابت علميا أن كل أوليات الأعضاء تكتمل بنهاية ثمانية أسابيع؛ بينما يتأخر موعد الحركة الإرادية إلى أربعة أشهر (حوالي 120 يوما).

(8) في قوله تعالى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ) النحل: 4؛ تُطلق النطفة على الماء القليل, وهي بمعنى قطيرة، وفي الحديث: "وقد اغتسل ينطف رأسه ماء" رواه مسلم، ووجه الشبه أن الماء يتكون من قطرات بأعداد كثيرة؛ وكذلك المني يتكون من وحدات مجهرية بأعداد كثيرة لا تراها العين تسمى حديثا حوينات منوية Sperms.

الصفحة: | 1 | ... | 2 | ... | 3 | ... | 4 | ... | 5 | ... | 6 |
